القائد.. والحاشية

17‏/05‏/2012

عود بنا الذاكرة لمواقف الأوائل من قادة السلف الصالح، الذين أدركوا كم هي ثقيلةٌ تلكم المسئولية، التي ‏أشار إليها الرسول- صلى الله عليه وسلم- بقوله: [إنها لأمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها ‏بحقها].
ولا أعني بالقيادة هنا القيادة الجماعية أو أجهزة القيادة، وإنما عنيت بها شخص القائد، المسئول الأول الذي ‏يتحمل وحده مسئولية الموقف والقرار والمتابعة والتنفيذ والإمساك بالصف. ‏
وهنا أود أن ألفت إلى مفاهيم بدعية تسللت إلينا، وهي أن القيادة في الإسلام جماعية، ظنًّا من أصحابها أن ‏إلزامية الشورى من شأنها أن تجعل القيادة جماعية، وبذلك تذيع المسئولية القيادية؛ حيث يصبح كل عضو ‏من أعضاء المجالس القيادية قائدًا؛ مما يفتح بابًا لا يُغلق لنشوء مراكز القوى، وصراع الرؤوس والرئاسات، ‏فضلاً عن بروز قياداتِ ظلٍّ يكون لها من الهيمنة على القرار ما لا يكون لقيادات العلن! ‏

ما أودُّ أن أؤكد عليه أن مسئولية القائد الشرعية مسئولية عُظمى لا تماثلها مسئولية أخرى؛ ومن أجل ذلك ‏كان الموقف النبوي من هذه المسئولية صارمًا جازمًا، إذ قال: [إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ‏ضيع]. ‏
إن استشعار القائد لهذه المسئولية يجعله يعيش هَمَّ من يقود ويسوس ويرعى.. فهو يحرص على العدل بين ‏الرعية،

وينأى عن مظنَّات الظلم أو الانحياز، فالجميع أمامه سواء، وإنما يتفاضلون بالتقوى والبذل ‏والتضحية، وَدَيْدَنُهُ في ذلك وقدوته أئمة الهدى الأولون من أمثال أبي بكر وعمر الذيْن قال أولهما يوم وَلي ‏الخلافة: "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق".. في ‏ضوء ذلك لم يعُد غريبًا ما سجله الفاروق عمر- رضي الله عنه وأرضاه- حيث قال فور انعقاد تبعات الخلافة ‏عليه: "ليت أمَّ عمرَ لم تلد عمرَ". ‏

حاشية القائد والمقربون منه

إن مدخل الفساد وباب الإفساد الأكبر ألا يهتم القائد بنوعية حاشيته والمقربين منه، وألا تكون لديه موازين ‏شرعية في عملية الاختيار، وأن يترخَّص في مساءلة هؤلاء ومحاسبتهم.. إن ما نفخر به ونعتزُّ في تاريخنا ‏الإسلامي المجيد تلكم المواقف القدوة التي سجَّلها القادة، حيال سقَطات المسئولين والأتباع وأفراد الحاشية، ‏وهو ما يجب أن يُحتذى. ‏
ما أحوج القيادات الإسلامية إلى احتذاء مواقف كموقف المكلَّف بالجباية في عهد الرسول صلى الله عليه ‏وسلم، الذي سمح لنفسه بقبول هديةٍ قُدمت إليه خلال عمله الوظيفي، وقال: هذه لكم، وهذه أهديت إليَّ؛ حيث ‏أنْكَر عليه القائد فعلتَه، وقال: [أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدى إليه أم لا؟‍]. ‏
وما أحوج القيادات إلى موقف كموقف الخليفة عمر حين عاقب واليَه على مصر عمرَو بنَ العاص؛ بسبب ‏اعتداء ابنه على فتًى قبطي، حيث أعطى القبطي عصاه، وقال له: اضرب ابن الأكرمِين، والتفت إلى ابن ‏العاص قائلاً: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟". ‏
إن تقريب القائد لضعيفي الإيمان مهزوزي الالتزام طالما أنهم يوالونه ويؤيدونه، وإبعادَه للأتقياء الأنقياء ‏لأنهم يعارضونه ويصدقونه المشورة والنصح.. لهو دليل صارخ على فساد في شخصيته، وضعفٍ في عقيدته ‏وزغل في طويته. ‏

مطلوب من القائد أن يحرص على تقريب أهل المعرفة والدراية والورع من الذين عرفوا زمانهم واستقامت ‏طريقتهم، وستبقى الآية القرآنية: {إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِيْنُ}[القصص: 26] القاعدة الفضلى ‏والمثلى في اختيار الأتباع والأصحاب والمساعدين والمكلَّفين والموظفين في شتَّى الظروف والأحوال. ‏
إن من نتائج سوء اختيار القائد لحاشيته أن يناله نصيب من فسادهم، سواء فيما يشيرون عليه من سوء آراء ‏وأفكار، أو فيما يمارسونه من جهالات، كما سيؤدي ذلك لا محالةََ إلى بُعد الصالحين المؤهلين عنه؛ تحاشيًا ‏لمن يمكن أن ينالهم منه أو من حاشيته من سوء!! ولكَم انهارت كيانات بسبب استفحال هذه الظاهرة في ‏صفوفها!!
اسلام ويب
 
3BOUD TOPICS © 2012 | : akonami | ar-fifa